الملكة رانيا العبدالله في قمة كوغ إكس
الملكة رانيا العبدالله تدعو إلى أنسنة صناعة القرار في القيادة خلال مشاركتها في قمة كوغ اكس للقيادة العالمية قائلة: "ننجح في السنوات العشر القادمة، علينا أن نصبح أكثر تقبلاً".
شاركت الملكة رانيا العبدالله قرينة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في قمة كوغ إكس للقيادة العالمية التي انعقدت في لندن أمس، تحت عنوان "كيف ننجح في السنوات العشر القادمة؟" داعية إلى أنسنة صناعة القرار في القيادة، قائلة: "لكي ننجح في السنوات العشر القادمة، علينا أن نصبح أكثر تقبلاً".
الاقمة التي ضمت حشد من القادة العالميين وخبراء في صناعة التكنولوجيا وقطاع الأعمال والأوساط الأكاديمية والعمل الخيري، قالت فيها الملكة رانيا "ننبهر بعلاجات تعِدُنا بالعيش الأزلي، بينما يموت يومياً حوالي 14 ألف طفل تحت سن الخامسة لأسباب يمكن تجنبها... نتابع مدراء تنفيذين وهم يستعرضون عضلاتهم، في حين يُكافح ملايين الفقراء من أجل البقاء... وتُبهرنا صواريخ تحمل سياحاً إلى الفضاء، بينما يتعرض كوكبنا للاحتراق والغرق في آن واحد".
وأضافت جلالة الملكة "ليس غريباً أن نشعر وكأن العالم فقد توازنه... وكأن الأمور تدهورت بسرعة فائقة. لكن في الحقيقة، أصبنا في الكثير من الأمور، إذ تشير بيانات التنمية إلى تحسن في مؤشرات الصحة والتعليم والحريات ومكافحة الفقر".
وأشارت قرينة العاهل الأردني إلى أن خبرتها التي اكتسبتها من دورها كملكة على مدار حوالي 25 عاماً، ومقابلتها لأكثر الناس تأثيراً وأقلهم حيلة ومشاركتها في منتديات دولية وزيارتها لمخيمات لاجئين، وما شاهدته بين أولئك الذين انقلبت حياتهم رأساً على عقب، لم تتغير نظرتها لمفهوم القيادة فقط، لا بل انقلبت، حسب تعبيرها.
وأوضحت الملكة رانيا: "كنت أعتقد أن أقوى القادة هم أصحاب القناعات الراسخة. الآن أؤمن أن التساؤل والتشكيك هما الوسيلة لاختبار صحة وقوة قناعاتنا. كنت أعتقد أن القادة المؤثرين يقودون من الأمام فقط، الآن أؤمن أن قدرتنا على اتّباع الآخرين توازي قدرتنا على القيادة. كنت أعتقد أن أكثر القادة حكمةً يستندون بشدة على المنطق، في حين تكمن قوتنا في تسخير العقل والقلب".
وأضافت خلال كلمتها: "ما نراه حول العالم من خطاب عام متشدد هو عبارة عن يقين تَرسخ فوصل درجة التعصب... استُبدلت فيه المرونة في التفكير بالتشدد والتعنت". مشددة أن طريق النجاح في السنوات العشر القادمة، يعتمد على أن نصبح أكثر تقبلاً حين يتبين أننا كنا مخطئين.
واستشهدت الملكة رانيا بحادثة الغرق في البحر الأبيض المتوسط للقارب المكتظ بالمهاجرين في حزيران/ يونيو الماضي، حيث لقي أكثر من 600 راكب حتفهم خلال محاولتهم الوصول إلى أوروبا.
وبينت كيف اعتبر كل طرف من أطراف الحوار حول المهاجرين القارب الغارق دليلاً على صحة روايته، حيث لام البعض السياسات المتشددة للهجرة في أوروبا على حدوث الكارثة، بينما أصر البعض على أن تساهل أوروبا دفع المهاجرين إلى المخاطرة بحياتهم في المقام الأول.
وقالت: "عندما لا نتقبل الآراء التي تتعارض مع أفكارنا، نلجأ لتحقير مؤيديها، ونظل في خنادق "نحن" ضد "هم"، فتزداد المسافات بيننا... ما يجعل من حل المشكلات أمراً شبه مستحيل". داعية إلى الانفتاح وتقبل التساؤلات والتشكيك خاصة أن اليقين المطلق يمكن أن يقودنا إلى محاربة بعضنا البعض بدلاً من محاربة مشاكلنا، حسبما قالت.
وتساءلت الملكة رانيا: "هل اليقين هو دلالة على النزاهة الأخلاقية حسبما يعتقد البعض؟، خاصة أن اليقين يمكن يؤدي إلى صدع أخلاقي، وقيم مشوهة تأخذ السفينة الغارقة دليلاً لإثبات وجهة نظرنا قبل اعتبارها كارثة إنسانية".
ودعت جلالتها إلى زيادة الدعم العالمي للدول المستضيفة للاجئين مثل الأردن حيث يوجد لاجئ سوري واحد بين كل ثمانية أشخاص. مسلطة الضوء على الاحتياجات المتنامية للدول الأفريقية التي تستقبل اللاجئين من السودان، لافتة إلى نزوح أكثر من 4 مليون شخص منذ نيسان/ أبريل.
وأكدت الملكة رانيا في كلمتها: "كي نضع الأمور في نصابها الصحيح علينا فعل الصواب. وهذا يتطلب التفكير بقلوبنا". ضاربة مثالاً على ذلك بالقرار الذي اتخذه جلالة الملك عبدالله باستقبال مئات الآلاف من السوريين الذين لجأوا إلى الأردن بعد اندلاع الأحداث في سوريا في عام 2011. حيث أدرك جلالة الملك ما هو الأكثر أهمية، وأن قلبه قاد أفعاله، وبحسب تعبيره وقتها "هناك طفل جائع وأم يائسة على حدودنا. كيف لا نسمح لهم بالدخول؟".
وقالت "لا يسعني إلا أن أكون أكثر فخراً بالكرم الذي أظهره رجال ونساء وطني"، وأثنت على الدول المستضيفة التي تستقبل حالياً اللاجئين الهاربين من العنف في السودان. مشددة على أن الدول المجاورة للنزاعات لا تستطيع أن تتحمل مسؤولية "فعل الشيء الصحيح" باستقبال اللاجئين بمفردها نيابة عن الجميع.
وأضافت "منذ شهر تموز/ يوليو الماضي، خفض برنامج الأغذية العالمي الدعم للاجئين السوريين في الأردن – ليس لانتفاء الحاجة، لكن بسبب نشوب أزمات طارئة في أماكن جديدة، في نفس الوقت الذي انخفض فيه دعم المانحين". مشيرة إلى أن البلدان متدنية ومتوسطة الدخل تستضيف 74% من النازحين في العالم.
وأشارت جلالتها إلى التباين في النهج العالمي تجاه أزمات اللجوء، حيث تم تلبية أقل من 30% من النداءات الموجهة للجهات المانحة بعد أربعة أشهر من الحرب في السودان، في حين تم تمويل 70% من نداء الطوارئ لدعم الأوكرانيين خلال الشهر الأول من إطلاقه.
وعلقت الملكة رانيا على تفاوت نسب الدعم قائلة: "لا أعتقد أننا بحاجة إلى حاسوب خارق ليفسر لنا هذا التمييز، لكن عندما يتم شيطنة الأفراد لسعيهم من أجل حياة أفضل لعائلاتهم، نعتبر معاناتهم أمراً مقبولاً. ويكون غرق 11 طفل أسبوعياً خلال محاولة عبور البحر الأبيض المتوسط أمراً مقبولاً، وتصبح المجاعة في عالم من الوفرة أمراً مقبولاً أيضاً – ليس لعدم قدرتنا على مساعدتهم، بل لأننا اخترنا طوعاً ألا نساعدهم.
وتساءلت جلالتها "ما فائدة الذكاء الاصطناعي إن لم نتمكن من حشد التعاطف الإنساني الصادق؟" وفيما يتعلق بمسألة الهجرة، قالت "يمكننا قلب الموازين لتصبح فرصة لا مشكلة... ففي العديد من البلدان المتقدمة هناك فائض في الوظائف. ويشير أحد التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050، ستواجه المملكة المتحدة وأوروبا فجوة قدرها 44 مليون عامل".
وركزت جلالتها على الدور الذي تلعبه سلوكيات في القيادة مثل "تعلم كيف نتبع الآخرين"، وكيف يمكن لهذه السلوكات أن تغذي التقدم في مجالات مهمة وكبيرة مثل التغير المناخي الذي وصفته كـ "تحدي وجودي يدعو لحركة عالمية".
وأوضحت الملكة رانيا أنه لكي ننجح في السنوات العشر القادمة، علينا فعل الصواب ابتداءً من هذه اللحظة، قائلة: "ما زلت أؤمن بأن الطريقة التي نتصرف بها كبشر هي ما يصنع الفرق. ما زلت أؤمن أن تعاطفنا مع بعضنا البعض، واستعدادنا لرؤية أنفسنا كجزء من شيء أكبر، وإدراكنا أننا جميعاً نستحق عيشاً كريماً... كل ذلك هو ما يقود التقدم الذي نسعى له".
وأضافت "إذا أردنا أن نقيم نظامنا الصحي، علينا ألا نغفل النظر إلى الرعاية التي نقدمها للمرضى. ولقياس مناعتنا، علينا أن نقيم دفاعنا عن المضطهدين، ولنحدد هدفنا علينا النظر إلى المهمشين بيننا. وللبقاء على المسار علينا ضمان ألا يتخلف أحد عن الركب".
وقالت الملكة رانيا في ختام كلمتها: "يمكننا جعل السنوات العشر القادمة أعظم حقبة من التقدم عرفتها البشرية، إذا قيمنا قناعاتنا من خلال قدرتنا على الشك... والقيادة من خلال استعدادنا للتبعية... وقراراتنا ما إذا كانت نابعة من العقل والقلب سوياً... سنتمكن من مواجهة المستقبل معاً بطاقة وتفاؤل وأمل".